تحقيق مذهب الأشعريِّ في عصمة الأنبياء
وُقوع الصَّغيرة مِن الأنبياء لا يُنافي العصمة عند الأشعريِّ
لم يُنكر وصف المعصية الصَّغيرة بالحقيقيَّة عالِم مُحقِّق
الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.
1
وبعدُ فإنَّ الأنبياء عليهم السَّلام معصومون مِن الكُفر والكبائر وصغائر الخسَّة قبل الوحي وبعده، وليسوا معصومين مِن صُدور الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها ولكنَّهُم يتوبون منهَا فورًا قبل أنْ يقتدي بهم فيهَا غيرُهم.
2
ويجوز وصف (المعصية الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها) بـ(المعصية الحقيقيَّة) لأنَّ (الحقيقيَّة) هنا وصف للمعصية لبيان نوع إطلاقها وهي عبارة لا تُفيد السَّبَّ ولا الشَّتم ولا نحو ذلك ممَّا توهَّمه بعض الأغرار المُبتدئين.
3
وإنَّما أنكر استعمال لفظ (الحقيقيَّة) بعض المُتعالِمِين الجَهَلَة ولم يكُن لهُم أنْ يتكلَّموا في مثل هذه المسألة بأفهامِهِمُ السَّقيمة إذ ليس لهم بذلك مرجع صالح ولا سَنَد صحيح إلى عالِم مُعتبَر فلا يُلتفَتُ إلى كلامهم.
4
قال التَّاج السُّبكيُّ فِي [السَّيف المشهور فِي شرح عقيدة أبي منصور]: <قالَ صاحبُ هذهِ العقيدةِ تَبَعًا لجماهيرِ أئمَّتِنا: (ولكن لم يُعصَموا مِنَ الصَّغائرِ لئلَّا تضعُفَ شفاعتُهم لأنَّ مَن لا يُبتلَى لا يَرِقُّ على المُبتلَى)> انتهى.
5
وكلام التَّاج السُّبكيِّ صريح في أنَّ جماهير الأئمَّة على أنَّ الأنبياء لم يُعصَموا مِن الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها؛ والإمام الأشعريُّ داخل في الكلام لأنَّه لم يكُن يرى صُدور المعصية الصَّغيرة مِن الأنبياء مُنافيًا للعصمة.
6
قال الأشعريُّ فِي [المُجرَّد]: <إِنَّ أَنْوَاعَ هَذِهِ الأَلْطَافِ إِذَا تَوالَتْ وَفَعَلَهَا اللهُ بِالمُكَلَّفِ وَلَمْ تَتَخَلَّلْهَا كَبِيرَةٌ قِيْلَ لِمَنْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ إِنَّهُ مَعْصُومٌ مُطْلَقًا. وَذَلِكَ كَأَحْوَالِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ..> إلى آخر كلامه وهُو كاف في البيان.
7
ولم ينطقِ [المُجرَّد] بعصمة الأنبياء مِن الصَّغائر بعد الوحي وإنَّما فيه: <فَأَمَّا بَعْدَ إِرْسَالِهِمْ فَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ نَصًّا فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ> انتهى فإنْ لم تجد نصًّا له على الجواز لا يعني أنَّه يقول بخلافه كما توهَّم المُتعالِمون.
8
وممَّا يدُلُّ على أنَّ الأشعري كان يُجوِّز الصَّغائر على الأنبياء قولُه في [المُجرَّد] عن النَّبيِّ مِن الأنبياء عليهم السَّلام: <كَمَا لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} لِأَجْلِ أَنَّ مَعْصِيَتَهُ صَغِيرَةٌ> انتهى.
9
ولهذا فإنَّ التَّاج السُّبكيَّ لمَّا خالف إمامه الأشعريَّ لم يكذب عنه ولم يأتِ بدعوى كاذبة بل بيَّن أنَّه خالف مذهب إمامه فقال فِي [قصيدته النُّونيَّة]: <والأشعريُّ إمامُنا لكنَّنا ~ فِي ذا نُخالفه بكُلِّ لسانِ> انتهى.
10
ومعنى كلام السُّبكيِّ أنَّ الأشعريَّ يبقى إمامَنا ولو خالفناه في مسألة وهذا يُؤكِّد كون الأشعريِّ على جواز صُدور الصَّغائر غير المُنفِّرة مِن الأنبياء بعد الوحي، فاحذروا الدَّعاوي الكاذبة فإنَّها كثيرة مثلُ قَطْرِ الماء.
نهاية المقال.
|