الدِّين النَّصيحة دعوة إلى عدم التَّسرع في التكفير
قال الشَّيخ مُحمَّد علِّيش المالكيُّ: <قَالَ البُرْزُلِيُّ: فَتَمْثِيلُ النُّحَاةِ لِلَمْ وَلَمَّا بِقَوْلِهِمْ: {وَلَمَّا عَصَى آدَم رَبَّهُ وَلَمْ يَنْدَمْ} كُفِّرَ. وَكُفْرُهُ أُخْرَوِيٌّ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى نَصِّ القُرْآنِ وَلَمْ يَنْدَمْ وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي القَدْحِ> انتهى. فجعل علَّة التَّكفير أنَّ المُتكلِّم زاد ما يُخالف القُرآن ويقدح بنُبوَّة آدم عليه السَّلام بقوله عن آدم عليه السَّلام: "لم يندم" لا لمُجرَّد قوله: {إِنّهُ عَصَى} مُوافقة للقُرآن.
أمَّا قول علِّيش نفسه: <(أَوْ أَضَافَ) أَيْ نَسَبَ (لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ) مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي غَيْرِ تِلَاوَةِ القُرْآنِ وَالحَدِيثِ> انتهى. فمعناه أنَّ مَن أضاف إلى الأنبياء ما لا يجوز عليهم إجماعًا كالكُفر أو الكبائر أو صغائر الخسَّة أو ترك التَّبليغ: فهذا يكفُر. بخلاف مَن أضاف إليهم ما يجوز عليهم اعتمادًا على ما جاء في النُّصوص الشَّرعيَّة الثَّابتة.
فالمالكيَّة لا يُكفِّرون لمُجرَّد إضافة ذنب صغير لنبيٍّ ويشهد على ذلك أقوال فُقهاء المالكيَّة؛ فقد قال أبو عبد الله الخرشيُّ فِي [حاشيته على مُختصر خليل] وأبو عبد الله الزَّرقانيُّ فِي [شرحه على مُختصر خليل] ومُحمَّدُ بن أحمدَ بن عَرَفَةَ الدُّسوقيُّ فِي [حاشيته على الشَّرح الكبير] كُلُّهم قالوا بنصٍّ واحد: <(أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ) كَعَدَمِ التَّبْلِيغِ> انتهى.
فقد مثَّلوا جميعًا بقولهم <عدم التَّبليغ> لتعلم أنَّ التَّكفير إنَّما هُو فِي حقِّ مَن أضاف إلى الأنبياء ما أجمعت الأُمَّة على براءتهم منه كالكُفر والكبائر لا مُطلق الذَّنب كمعصية صغيرة حقيقيَّة لكن لا خسَّة فيها، وعلى ذلك القياس؛ بخلاف ما لو أضاف إلى الأنبياء عليهم السَّلام ما جاء القُرآن الكريم أو الحديث الثَّابت بإضافته إليهم فلا يكفر لمُجرَّد ذلك.
وقد يحمل كلام عليش على من أضاف الذنب إلى الأنبياء عليهم السلام بقصد سبِّهم وانتقاصهم فهذا كذلك يكون كُفرًا ولذلك قال أبو الحسن العدويُّ فِي حاشيته: <وقوله: (أو أضاف.. إلخ) لا يخفى أنَّ ذلك داخل فِي السَّبِّ> انتهى. ومعناه أنَّه داخل فِي الكلام عمَّن أراد السَّبَّ أو الانتقاص مِن أنبياء الله عليهم السلام فأضاف الذَّنب إليهم لأجل ذلك.
وعلى هذا يُحمَل ما يُوجد في بعض الكُتُب ولا يجوز أنْ يُحمَل على تكفير من قال "عصى آدم" لأنَّه مُوافق للقُرآن فلا يكون كُفرًا. فالقُرآن {فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} و{وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فلا يأتيه الباطل مِن بَين يدَيه ولا مِن خلفه ونحن مأمورون بتدبُّر معانيه لتثبيتها فِي الصُّدور. والحُكم بالتَّكفير لمُجرَّد قول "إنَّ نبيًّا عصى" فيه تكفير للأُمَّة كُلِّها والعياذ بالله.
انتهى.
|