عمائم على رؤوس جهال !!*
التحذير من شخص وإن كان من ذوي الشهرة بين النّاس ليس أمرا معيبا في حدّ ذاته، بل قد يكون واجبا لدفع ضرر هذا الشخص المشهور، واغترار العامة بحكم الشهرة التي نالها ،فالمدار على مضمون التّحذير، فإن كان بحقٍّ فنِعْم الأمر، وإن كان بباطل فبئس الأمر.
لكن للأسف الميزان اختلّ في هذا الزّمان العجيب الذي نحن فيه، في الماضي كانوا يقولون : يُعرف الرّجال بالحقّ ولا يُعرف الحقّ بالرّجال" أمّا اليوم، فصار النّاس ينظرون إلى شهرة المُتكلَّم فيه، فإن كان ذا صيت بين النّاس دافعوا عنه بلا هوادة، وإن كان غير ذلك تركوه، ولا ينظر أحدهم حتّى للمسألة التي وقع التّحذير منها، وكأنّ قائلها معصوم لا يُخطئ، والأصل أن يكون المرء منصفا، فإن كان الحقّ مع أي طرف سار معه ولا يبالي لأن الحقّ أحقّ أن يُتّبعَ.
ولو كنتَ وحدك اتبع الحقّ والدّليل ولا تكن من جملة القطيع الذي يُساق إلى الذبح وهو لا يدري.
والأمر كما أسلفت يحتاج إلى إنصاف وإلى معرفة ودراية بما يُتنازع فيه، فليس للجاهل أن يكون حَكَما في مسائل شرعيّة بل عليه أن يتعلّم ويتّبع الدّليل الواضح القاطع الذي لا لُبس فيه، ولا يحاجج عن غيره بهوى نفس قد يؤدّي به إلى الغوص في الفساد أكثر فأكثر. فإن رأيت أحدا يُحذّر من شخص ولو كان مشهورا، لا تتسرّع وانظر ما المسألة وتعلّم واتّبع الدّليل واسأل أهل العلم الثّقات (والثقة ليس المشهور إنّما من كان يلتزم أداء الواجبات ويجتنب المحرّمات ولا يقع في الكبائر ولا يصرّ على الصغائر وقد شهد له الأكابر بالتقوى والصلاح)
فليحذر من التسرع في اعتقاد صلاح شخص ما دون التحقق من متابعته عقيدة أهل السنة والجماعة والتأكد من خلو مؤلفاته من البدع ولا سيما الاعتقادية أو الانحراف عما كان عليه سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الطاهرين رضي الله عنهم، فلا تغتروا بمدح إنسان لآخر وقد خفي عليه حاله فإن ذلك مهلكة.
واعلم أنّ المهديّ من هداه اللّه وإنّ كلّا يؤخذ من قوله ويرد غير رسول الله، وأنّ كثيرا من العلم ضاع في هذا الزّمان، وإنّ أكثر أهل الشهرة في هذا الزّمان ليسوا بشىء إنّما عمائم على رؤوس جهّال، فاحذر فالخطب جلل.
ولم يبقَ في ختام هذه الحروف إلَّا أنْ أُخبر الجاهل أنَّ الأخذ عن الثِّقات ليس غلوًّا فيهم بل التزامًا بنهج علَّمنا إيَّاه رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام بقوله: (إنَّما العِلم بالتَّعلم)؛ بل الغلوُّ هو تقديسك لحبر على ورق لا أنتَ عرَفت مَن خطَّه يقينًا ولا أنتَ سمعتَه مِن صاحبه ولا نقلَه لك الثِّقةُ العدل الضَّابط فكُفَّ عن تسمية الأشياء بأسماء أضدادها فإنَّما أزلَّك ترك طلب الدَّليل والتَّعنُّت والتَّكبُّر والعِناد وقلَّة الفهم في المسائل لِمَا تلبَّسْتَه مِن المعاصي والآثام والذُّنوب.
وقد نصحناك حامدينَ اللهَ أنْ وفَّقنا إلى ذلك فهنيئًا للرَّاكبين في سفينة النَّجاة واللهُ المُستعان هو نِعمَ المولى ونِعم الوكيل.
|