الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.
اعلموا اخوة الإيمان أن التقوى هي ثمرة العلم والعمل الذي امر الله به وهو القائل في القرءان الكريم {إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبادِهِ العُلَمَاء}فاطر / 28. فهذه الآية الكريمة فيها بيان فضل العلماء الأتقياء الأنقياء الحكماء الذين وصفهم سيدنا عيسى بن مريم صلّى الله عليه وسلّم بقوله "علماء حلماء بررة أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء". ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي قال "العلماء ورثة الأنبياء" هذه النصوص الثلاثة تبين فضل العلماء العاملين عند الله تعالى الذين أدوا حقوق الله وادوا حقوق العباد. يخشون الله تعالى ويخافونه عزّ وجلَّ، التزموا الحدود الشرعية فكانوا كما قال الله تعالى {إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبادِهِ العُلَمَاء} أي هؤلاء العلماء البررة الأتقياء هم الذين يخشون الله تعالى لأنهم عرفوا حقوق الله عليهم فالتزموا وعرفوا حدود الله فلم يتجاوزوها وعرفوا المحرمات المنهيات فلم يرتكبوها، لذلك امتدحهم رسول الله عيسى صلّى الله عليه وسلّم؛ وهم ورثة الأنبياء على المعنى الذي اراده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو أنهم ورثوا العلم من الأنبياء، فكانوا ملتزمين بما كان عليه انبياء الله تعالى غير مبتدعين بدعًا ممقوتة مُردية فورثوا العلم وعملوا بمقتضاه فكانوا هم الذين يخشون الله تعالى والله هو أحق أن نخشاه.فالنبوة ختمت بموت النبي عليه الصلاة والسلام فقد قال صلى الله عليه وسلم: "وخُتم بي النبيُّون" رواه مسلم. بعد هذا الحديث وبعد قوله تعالى {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} الأحزاب /40، لا مجال للشك كما أنه لامجال للقول بأنه يوجد نبي أو أنبياء بعد محمد بن عبد الله عليه صلوات الله.لا. بل رسول الله الذي قال "العلماء ورثة الأنبياء" مراده ورثوا العلم وعملوا بمقتضاه، هذا مراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
هذا العلم الذي رفع الله شأنه وهؤلاء الذين عظمهم الله تعالى في القرءان الكريم لِمَ؟ لِمَ هذه الدرجة العليا لهذا العلم؟ ولِمَ هذه الدرجة العليا لهؤلاء العلماء العاملين؟ الدرجة العليا لهذا العلم لأنه به تَعرِفُ ما فرض الله عليك وما حرّم؛ وأفضل العلم عند الله تعالى العلم بالله وبرسوله صلّى الله عليه وسلّم، لأن معرفة الله عزّ وجلَّ ومعرفة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أول الواجبات، قبل الصلاة والزكاة والحج وبر الوالدين ومواساة الأرامل والمساكين. ذلك لأن العمل الصالح لا يقبله الله تعالى من غير إيمان، بل الإيمان شرط لقبول الأعمال عند الله تعالى، ولما كان الإيمان شرطًا لقبول الأعمال عرفنا فضيلة الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي بدونه لا تقبل الأعمال بل تكون كما قال الله في القرءان الكريم عن اعمال الكافرين{كَرَمَادٍ اشتَدَّت بِهِ الرِيحُ فِي يَوٍم عَاصِفٍ} إبراهيم /18. عن اعمال الكافرين أيضًا قال{هَبَاءًا مَّنثُورًا} الفرقان /23. أما المؤمن فلو شاكته شوكة فقال: الحمدُ لله، له ثوابٌ على هذه الشوكة التي شاكته، وصبر عليها. أما غير المؤمن فمهما قدم من أعمال نافعة في الدنيا فإنه يأكل بها مقابلها في الدنيا فقط سعة في الرزق يزيد الله له في أولاده وماله وصحته، أما نعيم الآخرة فإنهم محجوبون محرومون منه. لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي "طلبُ العِلمِ فريضةٌ على كل مسلمٍ". لأجل هذا عرفنا أن طلب العلم الديني الواجب فرضٌ على كل مكلف لا يسعه أن يهمله ويشتغل بغيره. هذه هي المهمات التي فرضها الله علينا وبها يرتقي العاملون أي بمقتضاها الدرجات العلى فيكونون حينئذٍ من أهل التقى ويكونون حينئذٍ من أهل سفينة النجاة.
فيا أيها الأخ الكريم المسلم، اغتنم فرصة حياتك قبل مماتك واغتنم فرصة شبابك قبل شيخوختك واغتنم فرصة صحتك قبل مرضك واغتنم فرصة فراغك عن الأشغال قبل انشغالك وبادر إلى الأعمال التي تنفعك بعد موتك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم، وأقبل على حضور مجالس علم الدين وذلك لأن العبد قبل أن تزول قدماه يوم القيامة يُسأل عن أربع، يُسأل عن عمره فيمَ أفناه، يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفي أي وجه من الوجوه صرفه، وعن علمه ماذا عمل به. وقد قال الله تعالى {أَيَحسَبُ الإنسَانُ أَن يُترَكَ سُدَى} القيامة /36 واعلم أنه يقال للعبد يوم القيامة ألم نصح جسمك ونسقك من الماء البارد هذه نِعَمُ الله علينا عظيمة فلنشكر ربنا على عظيم نعمه وأولاها الإيمان فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله ولولا رحمة ربنا علينا لكنا من الخاسرين الهالكين.
|