سيرةً ومنهاجًا ومؤسسات نشأت جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية في بيروت سنة 1930 تحت علم وخبر رقم 995 وكانت أهدافها تدور حول مساعدة الفقراء والمحتاجين، وتولى رئاستها على مدار الأعوام الشيخ مصطفى غلاييني والحاج حسين العويني (أحد روءساء وزراء لبنان السابقين) والشيخ أحمد العجوز. ومع مرور الوقت تراجعت مسيرة الجمعية وتضاءلت أعمالها ونشاطاتها لضعف الإمكانات إلى أن تسلم رئاستها في سنة 1983 الشيخ نزار حلبي الذي استطاع بالتعاون مع ثلة من الشباب المثقف والمندفع أن يطلق قطار العمل من جديد في الجمعية وفق دراسات عصرية وتطلعات وأمنيات عظيمة الأهداف. إن جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية تضم الآلاف من مريدي وطلاب المرشد المربي العلامة الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي وهم من مختلف الأعمار والاختصاصات العلمية والمهنية ، ومن مختلف العائلات والطبقات الاجتماعية ومن مختلف المناطق اللبنانية.
منهاج الجمعية الديني
إن جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية جمعية إسلامية على مذهب أهل السنة والجماعة، أشعرية شافعية صوفية، تنتهج منهج الوسطية والاعتدال اعتقادًا وممارسة، وترى في التطرف والغلو في الدين خطرًا كبيرا يهدد الأفراد والعائلات والمجتمعات والأوطان. وهي ترفض المنهج التكفيري الشمولي للأمة، ولا تستحل اغتيال رجالات الحكومات لأجل أنهم يحكمون بالقانون، ولا تستبيح دماء الشيوخ والنساء والأطفال لأجل أنهم يعيشون في هذه الدول، والجمعية بريئة من هذه الفئات التي تحمل الفكر المتطرف الهدام الظلامي، كما أنها تحذر من تمدّد هذا الفكر المتطرف الذي يدمر البلاد والعباد، وترى أن الاعتدال هو طريق النجاة وصمام الأمان في المجتمعات والأوطان. كما أن الجمعية تعمل وفق إمكانياتها على مكافحة الآفات الضارة بالمجتمعات مثل المخدرات والإيدز، وتسعى إلى معالجة المشاكل الاجتماعية نحو مشاكل الأسرة والتنمية والبطالة والبيئة، كما تعمل على رعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة. إن الجمعية تنتهج أسلوب الحوار في ممارساتها وأساليبها بالحكمة واللين والموعظة الحسنة عبرالوسائل العصرية التي تنسجم مع المقدرات الاستيعابية المختلفة لدى الفئات الشعبية المعنية كالقاء المحاضرات وتأليف ونشر الكتب والدراسات وكذلك من خلال المؤتمرات، وهي لم تعتمد العنف وسيلة لبلوغ أهدافها. والجمعية تولي المرأة اهتمامًا خاصًا لِما تمثله من دور أساسي وكبير في المجتمع والأسرة وفي تربية الأجيال وبناء الأوطان.
ترجمة موجزة عن العلامة الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي
ولد المرشد العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري الحبشي في مدينة هرر- اثيوبيا حوالى عام 1910 واتجه منذ صغره نحو تعلم العلوم الشرعية وحفظ القرءان الكريم وهو ابن سبع سنين واغترف من بحور العلوم الشرعية واولى اهتماما خاصا بعلم الحديث النبوي واجيز بالفتوى ورواية الحديث وهو دون الثامنة عشر. وتوجه الى مكة المكرمة والمدينة المنورة واتصل بعلمائهما فازداد علما ثم انتقل الى بلاد الشام وزار القدس ومصر قدم الى بيروت سنة 1950 فاستضافه كبار مشايخها واجتمع بالشيخ مختار العلايلي رحمه الله أمين الفتوى السابق الذي أقر بفضله وهيأ له الإقامة على كفالة دار الفتوى في بيروت ليتنقل بين مساجدها مقيما الحلقات العلمية وتعرف على العديد من مشايخ بيروت وأعيانها.
ونظرا لسعة علومه واحاطته بعلوم الحديث والفقه واللغة والتفسير وغيرها اتسع صيته وقصده العلماء والمشايخ وطلاب العلم لتلقي العلوم منه، وبسبب ما عرف عنه من الزهد في الدنيا والبعد عن الأغراض الدنيوية وصرف الاوقات في التعليم والعبادة والتاليف والورع والتقوى ازداد مريدوه وطلابه فبلغوا الآلاف من جميع الأعمار من النساء والرجال. وقد وجّه الشيخ حفظه الله طلابه للبعد عن أجواء الفتن ودعاهم ليكونوا حملة علم ويساعدوا المحتاجين والفقراء ويمسحوا دموع الأيتام.
تميز العلامة الشيخ عبد الله الهرري الحبشي بصراحته فكان يواجه نشر أفكار سيد قطب زعيم حزب الاخوان، وبيّن بالصوت العالي أن هذه الأفكار التي تكفّر الحاكم والمحكوم الذي لا يثور على الحاكم وتصفهما بأنهما حلالا الدم والمال أفكار خارجة عن الدين لا يرضاها الإسلام ولم يدعُ إليها، وواجه نشر الأفكار الوهابية المتطرفة المتسترة تحت اسم السلفية أو أي اسم ءاخر، وقام ببيان خطرها وبين أنها أفكار تعمّم التكفير لكل من ليس منهم وتستحل دمه وماله وأن هذا باب من الفساد والفتن رهيب. فعل المحدث الشيـخ عبد الله الهرري ذلك وهو لا يعتمد على دعم جهة سياسية ولا دولة خارجية ، وإنما فعل ما فعل من منطلق ديني بحت مواجها هذه الأفكار المتطرفة بالحجة والدليل والبرهان.
وبعد عام 1982 اجتمع طلاب الشيـخ وخاصة المثقفين منهم من اطباء ومهندسين واساتذة جامعات ومشايخ للانضواء تحت جمعية خيرية وممارسة الانشطة النافعة وبناء المؤسسات، لا سيما بعد اتساع دائرة المحبين والمرتبطين بمنهاج الشيخ عبد الله، وهم في كل هذا بعيدون عن الفتن والقلاقل، وتحقق لهم ذلك من خلال استلام ادارة جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية وتم اختيار الشيخ نزار الحلبي رحمه الله رئيسا لها. ترجمة موجزة عن الرئيس السابق للجمعية سماحة الشيخ نزار حلبي رحمه الله
ولد رحمه الله في بيروت عام 1952 في أسرة بيروتية، والده رشيد حسن حلبي، والدته عائشة شقير، متزوج وله ثلاثة أبناء.
تعرف إلى المحدث الشيخ عبد الله الهرري منذ صغره فتربى على يديه وتلقى منه الدروس والمعارف والعلوم، تخرج من كلية الشريعة والقانون في الازهر الشريف بمصر سنة 1975. عاد الى بيروت وتولى منصب الإمامة والخطابة في مسجد برج أبي حيدر في بيروت، وفي سنة 1983 تولى رئاسة جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية وقد عمل مع إخوانه العاملين في الجمعية على تحديد الأهداف وبرامج العمل والانطلاق بها لتحقيق أهدافها النبيلة.
يوم الخميس في 31 آب 1995. اغتيل رحمه الله على يد المتطرفين في عملية إجرامية طاولته تحت بيته على مرأى من ولديه وأصيب أحدهما إصابة خطرة. وقد سار في جنازته الآلاف وبكاه اللبنانيون الذين عرفوا منهاجه وخلقه.
كان سماحة الشهيد الشيخ نزار حلبي رحمه الله رجل علم وعمل وتضحية وإخلاص، ورجل الكلمة الجريئة والموقف الثابت، وقائد مسيرة الخير والعطاء وحامل لواء ”المشاريع”. لقد استطاع رحمه الله أن يقود المشاريع منذ عام 1983 بكل ثبات واندفاع وإخلاص وأن يمضي في قافلة البناء والمؤسسات الرائدة وسط بحر من الأمواج العاتيات.
منذ الانطلاقة كان مصمما على أن يرفع مداميك العمل، ويبني صروح الهداية والمعرفة.
سماحة الشيخ نزار حلبي رحمه الله عرفته بيروت، كما عرفه كل لبنان، رجل حكمة وتبصر وتدبر، رجل الوسطية والاعتدال.
لقد تمكن رحمه الله بحكمته وحسن تدبيره أن يؤسس منهجا واضح المعالم في القيادة والرعاية والبناء. وها هي كلماته ومواقفه تظهر هذا المنهج وتؤكد أنه عمل على بناء المؤسسات التي تخدم الوطن وتحقق مصلحة الأمة وتبقي الأجيال وتنير دربها. ومن هذه الكلمات:
”بصلاح الفرد تبنى المجتمعات وترتقي المؤسسات وتبتر الجريمة ويرتاح الوطن”.
”إن بناء الأوطان يرتفع بتقوى النفوس وطهارة الفلوس والغاية النبيلة. وكم هو حري بالمؤسسات العاملة في حقل الخير والشأن العام أن تتضافر جهودها وتتكاتف وتتعاون على البر والتقوى”
”لا مانع عندنا من التعاون مع كل مخلص في كل عمل بناء تعود منفعته على الوطن والمواطنين. واننا نرى أن هذا التعاون المثمر ركن مهم في المسيرة نحو الأمن والأمان والبناء والازدهار”
ترجمة موجزة عن الرئيس الحالي للجمعية سماحة الشيخ حسام قراقيرة
ولد سماحة الشيخ حسام قراقيرة في بيروت عام 1960 في أسرة بيروتية، والده مصطفى فؤاد قراقيرة، والدته نهى منيمنة، متزوج وله اربعة أولاد.
تعرف حفظه الله إلى المحدث الشيخ عبد الله الهرري سنة 1976 فتلقى منه الدروس والمعارف والعلوم، وتابع دراساته الأكاديمية. ومنذ انطلاقة الجمعية تولى مناصب عدة منها رئاسة مكتب الدعوة إلى أن أصبح نائبا للرئيس ومديرا عاما. وقد تولى الخطابة والتدريس في العديد من مساجد بيروت وطرابلس، وحاضر في عدد من المؤتمرات خارج لبنان، وألقى العديد من المحاضرات التي تحث على الوسطية والاعتدال وتنبه من خطر الانزلاق خلف التطرف والارهاب المذمومين.
وعقب اغتيال رئيس الجمعية السابق سماحة الشيخ نزار حلبي بساعات معدودة انتخب رئيسا للجمعية فكان خلفَ خير لسلفِ خير متابعًا بكل جد وهمة وإخلاص تحقيق أهداف الجمعية، وتطبيق منهاجها المعتدل، فسار على طريقة سلفه في بناء المؤسسات، وأنجز في فترة وجيزة العديد منها ، تربوية وجامعية وغيرها ، تطبيقا للشعار الذي رفعه ”سنرد الكيد مؤسسة”.
أهداف الجمعية
1. نشر العلم الديني الصحيح على مذهب أهل السنة والجماعة بالحكمة والموعظة الحسنة.
2. محاربة التطرف والغلو في الدين.
3. تنقية المجتمع من الآفات والبدع السيئة والأباطيل الشائعة.
4. تقويم النفس والأسرة والمجتمع.
5. التصدي للمشاكل الاجتماعية التي يواجهها الأفراد والعائلات والمجتمعات على اختلافها.
6. إعداد الدراسات العلمية التي تتناول حاجات المجتمع في عدد من المجالات خاصة المجالات الاجتماعية والتربوية والثقافية والشبابية.
7. خدمة التراث النافع والاهتمام بالمخطوطات تحقيقًا وطباعة ونشرًا.
8. الاهتمام بالعلوم العصرية الأكاديمية والجامعية للذكور والإناث من مختلف الأعمار.
9. الاهتمام بشؤون الفقراء والأيتام والأرامل وكبار السن بتوفير المساعدات المالية والمعيشية وفرص العمل والملاذ الآمن والرعاية النفسية والحماية الاجتماعية.
10. الاهتمام بالشئون الصحية والبيئية ونشر ثقافة الوقاية والمعرفة في الأوساط الاجتماعية.
11. الاهتمام بالمرأة والعمل النسائي وتوظيف الطاقات النسائية في شتى الحقول والمجالات المطلوبة.
12. الاهتمام بذوي الحاجات الخاصة وأصحاب الإعاقات.
13. الاهتمام بالشباب من الذكور والإناث لِما يمثلون من سند قوي لمجتمعاتهم وأوطانهم.
14. الاهتمام بالتوعية الاجتماعية والأنشطة الثقافية والإعلامية والترفيهية والرياضية والكشفية والإرشادية.
15. التنسيق مع الجمعيات التي تحمل ذات الأهداف، ومع الجمعيات الأخرى بغرض التعاون في الوصول إلى الأهداف المرجوة وكل ما فيه خير المجتمع والوطن.
فروع الجمعية
يقع المركز الرئيس لجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية في وسط العاصمة اللبنانية بيروت، في منطقة برج أبي حيدر التي شهدت انطلاقة مسيرة الجمعية. وأسست الجمعية فروعا لها في المحافظات اللبنانية: الشمال، البقاع، الجنوب، جبل لبنان، وهذا يدل على قوة انتشارها وترسخ جذورها الشعبية وقوة علاقتها مع الناس . ويشهد المركز الرئيس للجمعية وبقية مراكزها ومؤسساتها وفروعها واحتفالاتها وأنشطتها المتعددة إقبالاً كبيرًا من الناس على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الاجتماعية والثقافية ، كما يشارك في إنجاح أنشطتها وأعمالها الموظفون المتفرغون وأعداد كبيرة من المقبلين إلى العمل التطوعي الواثقين بمنهاج الجمعية ومسيرتها.
مؤسسات وإنجازات الجمعية
1- الجامعة العالمية التي نالت الترخيص من الحكومة اللبنانية عام 1999، وتضم ثلاث كليات: كلية العلوم الصحية ، كلية العلوم الإدارية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية. وللجامعة مبنى تعليمي في منطقة زقاق البلاط في بيروت ومبنى تعليمي في منطقة المزرعة في بيروت، وقطعتا أرض في بيروت وخلدة جاهزتان لبناء المزيد من المباني الجامعية.
2- ثانوية الثقافة الإسلامية في بيروت.
3- الثانوية الصلاحية الأيوبية في بيروت.
4- ثانوية الهداية في بشامون – جبل لبنان.
5- ثانوية السلطان صلاح الدين في برجا - اقليم الخروب – جبل لبنان.
6- مدرسة السلطان صلاح الدين الابتدائية – برحا – اقليم الخروب - جبل لبنان.
7- ثانوية الثقافة الإسلامية في طرابلس – الشمال.
8- ثانوية الثقافة النموذجية في البداوي – الشمال.
9- المدرسة الجديدة للتربية والتعليم في عكار – الشمال.
10- المهنية الفنية اللبنانية العالية في طرابلس – الشمال .
11- ثانوية الصلاح الإسلامية في مدينة بعلبك.
12- روضة السلطان صلاح الدين في مخيم عين الحلوة – الجنوب.
13- مجلة “منار الهدى”.
14- مستوصف الشيخ نزار الحلبي في بيروت.
15- مستوصف ابن النفيس الطبي في بيروت.
16- مستوصف الأمانة الطبي في طرابلس.
هذا بالإضافة إلى بناء وترميم عشرات المساجد والمصليات وإقامة مراكز تعليم القرءان الكريم في بيروت وجميع المناطق اللبنانية. وكذلك الاهتمام بالأنشطة التالية:
الأنشطة الاجتماعية مثل مساعدة الفقراء والأيتام ، الأنشطة الكشفية للذكور والإناث ، الأنشطة النسائية ، الأنشطة الإعلامية وخاصة على صعيد البرامج الإذاعية النافعة وطباعة الكتب الدينية واللغوية والتاريخية والتراثية وغيرها ، الأنشطة الرياضية ، الأنشطة الشبابية ، الأنشطة الخاصة بالأطفال ، الدورات التعليمية والترفيهية الصيفية وغير ذلك. كما أن لفرق المشاريع للإنشاد الديني دورًا متميزًا في إحياء المناسبات الدينية والاجتماعية ، ونشر الثقافة المتنورة والحث على الأخلاق والفضيلة . ولهذا الفريق مشاركات مشرقة في العديد من البلاد العربية.
التمويل المادي للجمعية
إن جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية تعتمد في ماليتها على الاشتراكات الشهرية والتبرعات المالية والعينية التي يقدمها أعضاؤها ومؤيدوها وأنصارها وما يجود به أهل الخير الواثقون بمنهجها، إضافة إلى إدارة المؤسسات التربوية والصحية التي أسستها ومن خلال الانشطة الترفيهية المختلفة التي تقيمها.
إن مؤسسات الجمعية وخاصة المدارس قامت بعطاءات وتضحيات أعضاء الجمعية وإخلاصهم وصبرهم، وقد شهدت الاحتفالات التي أقيمت لدعم بناء هذه المدارس، كما هو موثق بشرط الفيديو والصور الفوتوغرافية، إقبالاً حاشدًا وعطاء كبيرًا قل مثيله حيث كان المشاريعيون والمشاريعيات يتبرعون بالغالي والنفيس، القليل والكثير، وكانت النساء على وجه الخصوص يتبرعن بالحلي والمجوهرات الخاصة بهن بكل محبة وعطاء واندفاع.
محطات من الماضي والحاضر
تهتم الجمعية بالشئون الوطنية والقضايا العامة التي تهم المواطنين فعندما كانت يد الفتنة تعبث بأمن البلاد وتهدم البيوت وتهجر سكان القرى والمدن، في فترة السبيعنات والثمانينات من القرن الماضي كان العلامة الشيخ عبد الله الهرري يدعو طلابه ومحبيه إلى الوعي واليقظة والابتعاد عن الفتن وإلى المحافظة على صيغة العيش الحسن بين اللبنانيين مسلمين ونصارى.
وعندما انطلقت الجمعية عام 1983 بدأت بتنظيم شؤونها الداخلية والتأسيس لمرحلة بناء المؤسسات، ولم تنخرط الجمعية في الشأن السياسي خلال الحرب اللبنانية، وإنما سعت قدر وسعها لتجنيب الشباب الانزلاق في مسالك غير حميدة، وكان من الملفت أن الجمعية بنت أولى مدارسها أثناء الحرب أواخر الثمانينات أي خلال فترة الدمار والخراب.
لقد عملت الجمعية وما زالت تعمل على غرس المواطنية الصالحة، وزرع حب الوطن في نفوس الكبار والصغار، ولفت انتباه الشباب إلى مخاطر الانجراف خلف التيارات المفسدة والهدامة، سواء تلك التي تروج إلى ما يضر بصحة الشباب كالمخدرات، أو تلك التي تدعو إلى التطرف والغلو في الدين.
وبعد اتفاق الطائف وبداية بناء الجمهورية الثانية، اعتبرت الجمعية اتفاق الطائف اتفاقا لبنانيا برعاية عربية ودولية يؤسس لمرحلة السلم ومسيرة الأمن والاستقرار، وتعتبر اليوم أنه حصل ثغرات في تطبيق هذا الاتفاق ويمكن أن تجري عليه تعديلات بالتوافق بين اللبنانيين.
وبالنسبة لنظرة الجمعية الى مستقبل لبنان فهي تريده وطن مؤسسات وعدالة، وطنا عصريا يواكب متطلبات النمو والتطور العلمي، لا وطنًا مفكّكًا تتقاذفه الأهواء والأطماع. وهذا يتطلب إصلاحا سياسيا وإداريا، ومحاربة للفساد والرشوة، وأجهزة قوية ناجحة للمراقبة والتفتيش، وشفافية عالية المستوى، وتنمية لقطاعات الإنتاج المختلفة، ووضع حد لعجز الخزينة إلى ما هنالك من قضايا.
إن المسلمين في لبنان الذين ينتمون إلى وطنهم ويحبونه ويعملون في نهوضه وإعماره، ويريدونه أن يكون وطن الأبناء والأحفاد ، يشعرون بانتماء أوسع إلى محيطهم العربي والحضارة العربية والاسلامية والأمة الإسلامية الممتدة شرقًا وغربًا شمالاً وجنوبًا. غير أن هذا الشعور لا ينبغي أن يدفعهم ليكونوا منعزلين في وطنهم، ومنعزلين عن التفاعل مع القضايا الإنسانية وشعوب العالم.
والجمعية عملت وتعمل على تعزيز هذا التفاعل، وعلى حفظ صيغة العيش الحسن بين اللبنانيين، إضافة إلى نشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة بعيدا عن التطرف والغلو على حسب المذهب الشافعي الذي يتبعه مئات الملايين من المسلمين السنة وعلى وفق إرشادات الطريقتين الصوفيتين الرفاعية والقادرية مع الاهتمام بإحياء المناسبات الاسلامية كالمولد النبوي الشريف ومعجزة الإسراء والمعراج ورأس السنة الهجرية وعيدي الفطر والأضحى .
هذا التعليم الديني المعتدل السليم كان لا بد أن يصطدم بالدعوات المتطرفة لحزب الإخوان وحزب التحرير والوهابية فصارت جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية أبرز من يواجه بثبات من منطلق ديني هذه الجهات المتطرفة الثلاثة التي هي التجمع الذي تغرف منه المنظمات المتطرفة المؤيدين وتجند الأعضاء.
إن هذه الفئات الثلاث تمتعت في الماضي بدعم بعض الجهات، وما زالت تتمتع بدعم بعضها إلى الآن ما أكسبها قوة ونفوذا كبيرين في دول كثيرة وعلى مستويات مختلفة, ولم تجد جمعية أو تجمعا يواجهها بالحجة والدليل مبينا مخالفتها للإسلام وعقائده وأحكامه من غير تهاون في هذه المواجهة ، ولا استسلام لإغراء مالي ، أو خضوع لتهديدٍ، إلا جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية.
ومنذ أكثر من أربعين سنة بدأ العلامة الشيخ عبد الله الهرري الحبشي التحذير من هذه الجماعات المتطرفة, ومنذ عام 1983 وجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية تسير على هذا الطريق.
لذلك ركزت هذه الجماعات وأتباعها والمستفيدون منها الحملات على جمعية المشاريع والعلامة الشيخ عبد الله الحبشي وطلابه بالأكاذيب والتلفيقات والتهديدات والاعتداءات حتى وصلت الى الاغتيالات ومحاولات الاغتيال.
وفي الواحد والثلاثين من شهر اب عام 1995 تم اغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية سماحة الشيخ نزار الحلبي وهو خارج من منـزله وجرح سائقه وولده الصغير جروحا خطرة، وقد تم كشف المجرمين الذين تبين ارتباطهم بالحركات المتطرفة وتم إعدامهم.
كل ذلك كان مسبوقا ومترافقا مع حملة إعلامية كبيرة في صحف خليجية وعربية ولبنانية مهدت لهذه الجريمة الشنعاء التي لم يقابلها أعضاء جمعية المشاريع هذه الجمعية المعتدلة إلا بالصبر واللجوء الى القضاء اللبناني ، ولم يرضوا أن يدخلوا في أية عمليات ثأر ولم يصدر من واحد منهم أي عمل عنف كرد فعل على هذا الجريمة ، لكنهم اختاروا أن يكون ردهم مزيدا من بناء المؤسسات لخدمة المجتمع وحماية الوطن ومد اليد للتعاون على نشر الخير في لبنان.
الانتشار
لقد انتشر طلاب العلامة المحدّث الشيخ عبد الله الهرري الحبشي خارج لبنان في عدد من البلاد العربية وبلاد اوروبا (مثل فرنسا والمانيا وسويسرا وبريطانيا والسويد والدانمارك واسيا وافريقيا واستراليا واميركا - الولايات المتحدة الاميركية وكندا - إثر الأحداث الدامية التي عصفت بوطننا الحبيب لبنان على مدى سنوات طويلة، أو بسبب الضائقة المعيشية طلبا للرزق، أو طلبًا للتحصيل العلمي الجامعي. ولما كانت تربيتهم ونشأتهم تقوم على الاعتدال فقد ساهموا في نشره أينما حلوا، كما أسسوا المراكز الإسلامية، وبنوا المساجد والمصليات، والمدارس الاكاديمية، ومدارس تعليم اللغة العربية، ويهتمون بأمور الجاليات العربية والإسلامية وفق إمكانياتهم من النواحي الدينية والاجتماعية والتربوية، ويعملون على تحصين المسلمين من الجماعات المتطرفة وأفكارها فكانوا بحق لَبِنَاتِ خيرٍ وصمام أمان حيثما وجدوا.
الخاتمة
على رغم ضعف الامكانيات المادية، وعلى رغم حملات الكذب والتشهير التي يشنها المتطرفون، تكللت مسيرة العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري الحبشي حفظه الله وجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية بالنجاح، ولاقت هذه الدعوة الى الاعتدال والوسطية القبول لدى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وتزايدت اعداد طلاب الشيخ واعضاء الجمعية حتى بلغت عشرات الالاف. اما اولئك الذين يطعنون في هذه الدعوة النقية فهم في الغالب المرتبطون بفكر الجماعات المتطرفة والذين يقبضون الاموال من الوهابية وأمثالهم على شكل رواتب شهرية او مساعدات او تحت غطاء جمعيات خيرية تتبع هذه الفئات. وبعض هؤلاء قد وصلوا وللاسف الشديد الى مناصب رسمية باسم الدين مؤثرة ما اتاح لهم مساعدة المتطرفين وتسليمهم المساجد والمدارس.
هذا هو منهاج وسيرة العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري الحبشي وجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية وهذه هي الدعوة النقية التي هي ركنُ الاعتدال في لبنان والعالم وحجر الأساس في محاربة التطرف والغلو.
القسم : سيرة الشيخ الشهيد - الزيارات : 11391 - التاريخ : 22/8/2011 - الكاتب :